من
أقصى شمال الكرة الأرضية، ومن أوروبا الباردة تشرق شمس الإسلام رغم برودة
الطقس التي تصل إلى حد التجمد, فيزداد التواجد الإسلامي, وترتفع معدلات
انتشارالإسلام في بلد لم يكن له فيها أثر قبل ربع قرن من الزمان, تلك البلد
التي ربما لم يكن يعرفها الكثير من المسلمين هي أيسلندا.
فهيا
بنا نرتدي المعاطف الواقية لنستطيع التجوال في صقيع أيسلندا, ونرى كيف
أذابت حرارة الإسلام ذلك التجمد واخترقت قلوب إخواننا هناك.
كانت
دول شمال أوروبا التي منهاأيسلندا تعتبر نفسها دومًا مغايرة ومختلفة عن
بقية الدول الأوروبية ذات الإرث الاستعماري والتي تزعمت إمبراطوريات احتلت
لمئات السنين أجزاء واسعة من العالم العربي والإسلامي والثالث، بل إنَّ دول
شمال أوروبا كانت تعتبر نفسها ذات خصوصية مناخية وثقافية واجتماعية
وحضارية، وأنها نجحت في إقامة نظام سياسي إنساني في كل أبعاده يؤمن
بالإنسان أولًا وثانيًا وأخيرًا, ولطالما نظر المراقبون للواقع هناك في
شمال أوروبا لمجتمع متعدد الثقافات ومتنوع الأعراق والديانات, لذلك كان من
السهل أن يتغلغل الإسلام في تلك البلاد.
أيسلندا:
الموقع
:تقع جيولوجيًا على منطقة ساخنة على سلسلة الأطلسي الوسطى. هذه التشكيلة
تعني بأن الجزيرة نشطة جيولوجيًا، حيث يوجد بالبلاد ما يقارب من 140 بركان،
منهم حوالي 30 فاعلين, حوالي 10% من مساحة البلاد مغطاة بالجليد باستمرار و
يطغى على البلاد طقس ساحلي بارد.وقد أدى موقع الجزيرة المعزول إلى تدفق
القليل من المهاجرين إلى تلك البلاد.
تنقسم أيسلنداإلى23 مقاطعة و101 بلدية. وتعتبرالعاصمة ريكيافيك هي أكبر مدينة يقطنها قرابة 113730 نسمة, تليها كوبافوغر وتحتوي على 25784 نسمة وهافنارفيورور 22000 نسمة.
·المساحة:103,125 كم مربع.
·العاصمة:ريكيافيك.
·تعداد السكان:يصل عدد السكان إلى 320.000نسمة حسب آخر إحصائية عام 2008م.
·تعداد السكان المسلمين: عدة آلاف وليس هناك تعداد رسمي دقيق يبين العدد الحقيقي.
·المجموعات العرقية: بروتستانت لوثريين من أصل نرويجي, دانماركيين, بعض الأتراك وجنسيات أخرى.
·الديانة: الدين المسيحي هوالدين الرسمي وتصل نسبته إلى91.5%,إلى جانب 5%لادينيين,والنسبة المتبقيةتشتمل على المسلمين والوثنيين.
·اللغة: الآيسلندية.
·عدد المساجد حاليًا:لايوجد,هناك عدد من المصليات الصغيرة المستأجرة.
هذه المنطقة جزيرة سكنها رهبان كلتيون في القرن التاسع الميلادي ثم النروجيون عام 930 م,و منذ عام 1264 م والجزيرة خاضعة للحكم النروجي ثم الدانماركي.ثم أُعلنت مملكة مستقلة عام 1918 م ولكن بقيت في اتحاد اسمي مع الدانمارك.
احتلت بريطانيا أيسلندا عام 1940م، على إثر احتلال الدانمارك من قبل الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية (1939م-1945م)، البرلمان الأيسلندي أدار البلاد منذ ذلك الحين, صوتت الجزيرة عام 1941 لحل الاتحاد مع الدانمارك و سمحت باستعمال الأمريكيين للجزيرة عسكريًا.
وقد أُعلنت أيسلندا جمهورية في 17 يونيو1944م بعد استفتاء شعبي وانضمت عام 1946 م للأمم المتحدة.
دخول الإسلام:
جاء
المسلمون إلى أيسلندا في ستينيات هذا القرن من أجل التجارة وكان معظمهم من
الأتراك,ثم تبعهم مسلمون من البوسنة والهرسك، ثم لحق بهم مسلمون من الهند
وباكستان.
وكانت
علاقة المسلمين بالدول الإسكندينافية عمومًا و أيسلندا- كأحد هذه الدول -
محددة، ثم تطورت بعد ذلك إلى الهجرة من بعض الدول الإسلامية التي بها مشاكل
كأفغانستان ولبنان وفلسطين والصومال، وقد استقبلت الدول الإسكندينافية
المسلمين، وأعطتهم حقوقًا في البقاء وممارسة حياتهم الطبيعية، وهذا في
بدايته بالقطع كان يساعد أي مسلم على تعميق إيمانياته، وتوثيق صلته بالدين
في بلاد المهجر.
ها
نحن قد عدنا لنواصل السير بين الجليد في أيسلندا, ونرى كيف أن الإسلام
بعظمته قد شق له طريقًا من نور هناك سلكه العدد غير القليل من سكان تلك
البلاد.
علمنا
في الحلقة السابقة كيف دخل الإسلام إلى أيسلندا,وقد علمنا أنهخلال ثلاثين
سنة ارتفع عدد المسلمين بشكل غير متوقَّع وصل إلى عدة آلاف من المسلمين.
وبسبب
الطبيعة المناخية الباردة لهذه المنطقة فإن سكانها الأصليين هجروها في
أوقات سابقة باتجاه أمريكا وباتجاه مدن الشمس، كما أنَّ انتهاء مفهوم
الأسرة في هذه الجغرافيا واكتفاء الرجل والمرأة بمبدأ المعاشرة أثَّر إلى
أبعد الحدود في حدوث تضاؤل فظيع في نسبة المواليد, وهو الأمر الذي جعل
المسئولين في هذه المنطقة يفكرون باستيراد البشر من الدول التي تعيش أزمات
حروب وأزمات سياسة، فتدفق المهاجرون المسلمون على هذه البلاد، وحصلوا على
حق الإقامة الدائمة بموجب اللجوء السياسي أو اللجوء الإنساني، أو من خلال
مفوضية شئون اللاجئين التي ترسل تباعًا عناصر بشريِّة بالتوافق مع هذه
الدول التي تستقبل سنويًا حصَّة معينة ومعدودة من مفوضيِّة شئون اللاجئين.
وعلى كل حال فإن المسلمين
لا يزالون أقلية صغيرة نسبيًا, بل إنهاقد تكون الأصغر على مستوى العالم
باستثناء الدول والجزر الصغيرة, وبالرغم من أن العدد قليل إلا أنه هناك
منظمة إسلامية في آيسلندا وهي جمعية مسلمي آيسلندا والتي تأسست عام 1997م, وعدد أعضائها 329 شخص.
هذا ويعيش أغلب المسلمين في آيسلندا في العاصمة الآيسلندية ريكيافيك أو بالقرب منها، كما يوجد عدد من لاجئي قوصوه في مدينة دالفيك, يوجد لهم مكان للعبادة منذ عام 2002م حيث يؤدون فيه الصلوات اليومية، بالإضافة إلى صلاة الجمعة. ولكن لا يوجد مسجد
في آيسلندا، حيث كان من المخطط بناء واحد في العاصمة ريكيافيك، ولكن تم
تأجيل ذلك بسبب الجدال بين الجمعية الإسلامية في آيسلندا والحكومة حول
مساحته.
ولكن في الفترة الأخيرة ذكرت صحيفة فرانكفورتر الجماينة تسايتونغ:
إن بلدية العاصمة الأيسلندية ريكيافيك أصدرت مرسومًا بمنح الأقلية المسلمة
الصغيرة بالبلاد قطعة من الأرض داخل العاصمة لتأسيس مسجد عليها.
وذكرت الصحيفة أن أيسلندا تميزت بهذه الخطوة عن جارتها الدانمارك التي لم تسمح حتى الآن بإقامة مسجد كبير للمسلمين فوق أراضيها.
وأشارت
إلى أن حصول مسلمي أيسلندا على قطعة الأرض جاء ضمن إجراء إداري خصصت
بمقتضاه بلدية ريكيافيك أيضا قطعتين من الأرض لإقامة كنيسة للأرثوذكس الروس
ومعبد للفايكينج الوثنيين.
وقد
وضعت أيضًا قوانين أساسية تنص على مبدأ حرية التدين, وعدم جواز المساس بأي
دين أو التحامل على ديانة بعينها, ومع أن هذا البند ربما وضع ليحمي الديانة
اليهودية ورموزها في شمال أوروبا، لكن عدم تحديد الديانة بالاسم جعل
القوانين التي تصون الديانات تسري على الإسلام أيضًا، وخصوصًا عندما أصبح
للإسلام شأن واضح في تلك البلاد.
وبالرغم
من الحرية التي منحها المسلمون في ممارسة شعائر دينهم كحق لهم كما هو حق
للمعتقدات الأخرى إلا أن الارتفاع في عدد المسلمين جعل الكثير من الجمعيات
اليهودية الفاعلة في هذه المناطق والمنظمات الكنسية الكبيرة تنظر بريبة إلى
هذا الوجود الإسلامي، وعمدت إلى تكثيف التنصير في المناطق الإسلامية،
وراحت تستغل فقر الجاليات العربية والمسلمة لتمرر رسالتها الدينية التي
تستهدف بالدرجة الأولى المسلمين حتى يغيِّروا ديانتهم.
وهناك عدد من المشكلات التي يواجهها المسلمون ترتكز إلى عدة أسباب أهمها:
·الاحتكاك
المباشر بأصحاب المعتقدات الأخرى من بنى جلدتهم والذين هم بالنسبة
للمهاجرين المسلمين أصحاب البلد الأصليين,وتظهر هذه المشكلة جلية في
المهاجرين من المسلمين خاصةً, فليس في ذهنهم أي شيء سوى التجارة، ويبتعدون
عن الدين، خاصة أنهم رحلوا من بلادهم الأصلية بثقافة دينية مشوهة, ولكن في
المقابل هناك أناس يتمسكون بدينهم، ويتقربون إلى الله أكثر بعد الهجرة.
·هذه
الدول لا تدين بدين؛ لذلك تشيع بها الإباحية، والحرية المطلقة، والعلمانية
والمادية الطاغية. ولا تؤمن إلا بالمادة، وتحاول فرض هذه الفكرة على كل من
يعيش فيها، وهذا يُعَدّ من أكبر التحديات لإيمانيات المسلمين هناك.
·هناك أيضا المشاكل التي يواجهها المسلمين في تربية أبنائهم مع اخطلاتهم مع اقرانهم من الديانات الأخرى.
·الانقسام
والتشرذم حيث تتغلب عواملالانتماء العرقي والمذهبي أحيانًا، وتؤدي إلى
الفرقة، يظهر ذلك بوضوح في الاختلافحول رؤية الهلال، وفي صلاة العيد حيث
تصر كثير من الجاليات على اتباع تقويم البلدالذي جاءت منه مما يؤدي إلى
اختلاف المسلمين، حيث يصوم بعضهم ويفطر آخرون، وتقامصلاة العيد في بعض
التجمعات بينما تستمر تجمعات أخرى في صيامها يومًا آخر!
ومع
هذه المشكلات فقد كانت حياة المسلمين في تلكالبلاد طبيعية وعادية، وكانوا
يتمتعون بكثير من الامتيازات والتسهيلات، غير أنّ الحقد الصليبي لا ينسى أن
يكشر عن أنيابه بين لحظة وأخرى للإسلام ممثلًا في أتباعه، مختلقًا لذلك
سبلًا كثيرة.
وكانت
الأزمة المالية التيوتواجهها آيسلندا, وهي أسوأ أزمة اقتصاديةفي تاريخها,
حيث استخدمت بريطانيا قوانين مكافحة الإرهاب! لتجميد أموال آيسلندية
فيالمملكة المتحدة, ويبدو ظاهر الأمر طبيعيًا فقد تعرضت غالب الدول
الأوربية لتلك الأزمة, لكن الواقع هنا يشير أن تنامي الوجود الإسلامي أحد
أسباب الموقف البريطاني من أيسلندا, وذلك لزيادة أعداد المهاجرين المسلمين
إلى تلك البقعة المتجمدة, وتخوفهم من وصول الجيل الثالث المسلم المولود في
هذه البلاد إلى دوائر القرار مما قد يؤثر سلبًا من وجهة نظرهم على أوروبا
كلها.
وأخيرًا
يظهر لنا جليًا مدى احتياج إخواننا المسلمين في أيسلندا إلى الدعم المادي
والمعنوي ليستطيعوا نشر الإسلام في كل شبر على تلك الأرض, كما يجب على
العالم الإسلامي ممثلًا في زعاماته وقياداته الدينية أن ينتبهوا لذلك الحقل
الخصب ويوجهون إليه كافة اهتماماتهم للنهوض بالدعوة للإسلام هناك متخذين
إلى ذلك كل سبيل لتصبح الألاف القليلة من المسلمين هناك ملايين بإذن الله.